التعريف الثالث: هو تعريف المتأخرين، وهو تعريف مبتدع، وهو: صرف اللفظ عن معناه الظاهر الراجح إِلَى معنى مرجوح لقرينه أو احتمال مرجوح.
وبهذا تسلط المحرفون عَلَى النصوص، وَقَالُوا: نَحْنُ نؤول ما يخالف قولنا، فسموا التحريف تأويلاً تزييناً له وزخرفة ليقبل، وقد ذم الله -تعالى- الذين زخرفوا الباطل لكننا نؤمن بجميع ما أثبت الله لنفسه أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف -تأويل- ولاتعطيل.
فقوله تعالى:
((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طـه:5] هذا المعنى ظاهر اللفظ وما يفهمه كل عربي من الاستواء كما قال الإمام
مالك وكما قال شيخه
ربيعة من قبل: [[
الاستواء معلوم ]] أي: معلوم في لغة العرب: وفسره
السلف بأنه علا وارتفع وصعد، فعندما يأتي شخص ويقول: إن معنى (استوى) أي (استولى) فإن هذا تحريف، لا تأويل كما يدعي.
ومثال آخر في الحديث الصحيح
{إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يضع قدمه في النَّار فتقول: قط قط} وفي بعض الروايات
{يضع الجبار} الذي هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإذا قال شخص: (الجبار) ملك من الملائكة أو رجل من أهل النَّار يأمره الله تَعَالَى فيضع قدمه في النَّار.
فنقول: هذا تحريف وصرف للفظ عن معناه الظاهر الواضح إِلَى معنى بعيد لا يكاد يخطر عَلَى ذهن الإِنسَان، ويقولون: نَحْنُ نضطر إِلَى التأويل حتى ندفع التشبيه، فنرد عليهم: بأنه ليس في إثبات صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تشبيه وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي معنى يضاف إِلَى الربوبية يوهم التشبيه، إنما أنتم قد تتوهمون في أنفسكم، وهذه الزخرفة أو تغيير المعنى من التحريف إِلَى التأويل ليقبل المعنى تسمية اصطلاحية بدعية حديثة لم تكن معروفة لا في نصوص الكتاب والسنة ولا في كلام سلف الأمة، إِلَى أن ظهر هَؤُلاءِ المبتدعة، واستخدموا كلمة التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الواضح الذي يفهمه النَّاس إِلَى معنى آخر، وسموه تأويلاً ليقبل، فهذه هي الزخرفة التي أرادها المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
ويقول -رَحِمَهُ اللَّهُ-: [وقد ذم الله الذين زخرفوا الباطل قال تعالى:
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)) [الأنعام:112] فهم يزخرفون القول لكي يقبل عند من لا يفقه الحقيقة.